قديم 07-05-2021, 03:16 PM   #1

عملائي

العضوٌﯦﮬﮧ » 41
 التسِجيلٌ » May 2021
مشَارَڪاتْي » 40
 نُقآطِيْ » الفارس is on a distinguished road
افتراضي سر القوة الخفية في رمضان

{وخلق الإنسان ضعيفًا}.. هذه الكلمات القرآنية الثلاث لخّصت لنا جوهر الإنسان، فهو ضعيف في نشأته: {مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ}[عبس 18-19]، وضعيف في علمه: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}[الإسراء : 85]، ضعيف في شهوته، {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ}[آل عمرآن: 14].

ضعيف!، ينهار لأي خبر سيئ، واهِنٌ إذا أصابه مرض، خَائِرٌ إِزَاء الفقر، ضَئِيلٌ بين الأقوياء، هَشٌّ أمام الزلازل والكوارث.. خاضِعٌ لشيطانه وهواه.. ضعيف.. تلك هي الحقيقة!
وكل إنسان يظل محتاجًا لقوة يقهر بها ضعفه، ويستمد منها أثره، ويشكّل بها حياته ومستقبله، لذلك رغب النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القوة فقال: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ»[1].

والملاحظ في عامة أوساط الناس انحصار مفهوم الحديث في القوة الظاهرة المكتسبة في بدن الإنسان فحسب!، وثمة معنى أعظم الأثر وأكبر حادٍ إلى صناعة المجد وأعظم الأسباب في تحقيق القوة ومع ذلك يتغافل عنه الناس، ولا يأخذ من حياتهم الحيّز الذي شغله معنى القوة الظاهرية في بناء أنفسهم، هو قوة الروح وتغذيتها بالإيمان والاتصال بالله.

ونضرب مثلًا على ذلك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم إذ يقول: «يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ، فَارْقُدْ فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ، انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ» [2].

أريت كيف أن هذا المعنى يكسبك قوة إضافية تجعلك قادرًا على مغالبة كل الظروف والعراقيل التي تعترض لك في حياتك، وتفسح لك الطريق نحو التحليق للمعالي، وكيف أن هذا المعنى إذا فُقد من حياة إنسان أصبح «خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ».. هذا هو سر القوة الخفية..

هذه القوة الخفية التي يوجه إليها النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة وهي تشكو إليه ضعفها من مشقة أعمال البيت وتَسْأَلُهُ خَادِمًا يساعدها في ذلك، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم لها: « أَلاَ أَدُلُّكِ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَكِ مِنْ خَادِمٍ تُسَبِّحِينَ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ وَتَحْمَدِينَ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ وَتُكَبِّرِينَ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ حِينَ تَأْخُذِينَ مَضْجَعَكِ» [3].
فتأمل هذه العلاقة بين شكوى فاطمة من الإرهاق الجسدي التي تتعرّض له كل يوم في بيتها وبين تلك الأذكار، ولولا أن لهذا الذكر فائدة كبرى في تقوية الإنسان على عمله وجهاده في الحياة لما كانت الوصية به في هذا المقام.

وهو نفس المعنى الذي دعى إليه نبي الله هود قومه،فقال: {وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ}[هود: 52].
اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ... يَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ، فما علاقة الاستغفار بالقوة؟!

سر القوة الخفية
السر في ذلك هو تقوية النفس والروح بالاتصال بالله عز وجل، فالإنسان خلقه الله من جسد وروح ولكل منهما مصدره وغذاؤه، فالجسد مصدره الطين، وغذاؤه كل ما يصل إليه من أكل وشرب وشهوة، أما الروح فمصدرها نفخة علوية من الله عز وجل وغذاؤها كل ما يوصل إلى الله من صلاة وصيام وقراءة قرآن.. بالأصح: عبادة الله.

مشكلتنا الحقيقية هي إصرارنا على أننا مكونون من مادة واحدة وهي الجسد، فنسينا الروح (أو تناسيناها) وأخذنا نُغذي الجسد فحسب، فلو ظل شخص بلا طعام ولا شراب مدة ما، سيموت بلا شك!

وهكذا الروح فالإنسان إذا لم يعبد الله ستموت روحه، ولكنها تموت ببطء عكس الجسد الذي يموت بسرعة مما يجعل الإنسان يظن أن جسده فقط هو الذي سيموت فلا يتركه أبدًا، ويظل يُغذي فيه ناسيًا أن له روحًا!.

لذلك لما قال لوط متأسفًا من أفعال قومه: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}[هود: 80]، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ» [4].

فالحقيقة أنه كان يأوي إلى الله تعالى ويتقوى به سبحانه، لكن نظرته في ذلك الوقت كانت محصورة في المادية والجسمانية فقط!

في رمضان
يأتي هذا الشهر ليأخذ الإنسان ليحلق به في السماء حيث تجذبه الروح إلى أصلها ومنبعها، وتذكره بمنصبه ومركزه، وغايته ومهمته وهي عبادة الله، وتفتح فيه الكوة إلى العالم الذي انتقل منه، وإلى سِعته وجماله، ولطافته وصفائه، وتثير فيه الأشواق والطموح، وتبعث فيه الثورة على المادة الكثيفة الثقيلة (الجسد)، وتزين له الانطلاق من القفص الضيق الخانق –وإن كان من ذهب– والتحليق في الأجواء الفسيحة التي لا نهاية لها، وفك السلاسل والأغلال من عادات ومألوفات، ولذات واحتياجات.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا أَتَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ شَهْرٌ خَيْرٌ لَهُمْ مِنْ رَمَضَانَ... وَذَلِكَ لِمَا يُعِدُّ الْمُؤْمِنُونَ فِيهِ مِنْ الْقُوَّةِ لِلْعِبَادَةِ..» [5].

هذه القوة التي يعدها المؤمنون في رمضان من عبادات يخرجون بها عن المألوف، في كسر للروتين، وانعتاق من أسر العادات المستحكمة فيهم، فيها تقوية لإرادة المرء وعزيمته، فليست مصادفة أن تكون غزوة بدر 2هـ في رمضان، وفتح مكة 8هـ أيضًا.. إلى عين جالوت 658هـ.. إلى حرب أكتوبر 10رمضان 1393هـ .

وكثير من الناس كان لا يستطيع الصيام قبل رمضان، أصبح في استطاعته الصوم لمدة ست عشرة ساعة متواصلة في جو شديد الحرارة ؟!

كثيرون ما كانوا يتصورون أن يقوموا ثلث الليل أونصفه.. وأن يقل نومهم عما كانو عليه قبل رمضان.. أو أن تتحمل أبدانهم كل هذه المشاق.

فما السر في ذلك؟

لقد تهيأت الأسباب
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ: صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ» [6].

فلا شيطان يغوي.. ولا نار تستقبل..بل تطرد بعتق الله.. والجنة مفتحة.. والملائكة تدعوك وترغبك.
فهذه كلها أسباب لاستجلاب هذه القوة دون معوقات ولا موانع.. اتيحت لنا الفرصة أن نتصل بالله فكانت القوة.

قوة النفس
الحديث السابق يوضح لنا قوة أخرى مؤثرة في حياتنا ويكشف اللثام عنها وهي قوة النفس، سواء قوة خيرية أو شرية!
ففي قوله: «صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ» كشف لحقيقة النفس التي بين جنبيك، فليس لشرٍ ومعصيةٍ اتصال بالشياطين والجن، فإن كان ذلك فهي نفسك!

إن كل مسلم بحاجة -في هذا الشهر المبارك- أن يقف بكل صراحة مع نفسه فيعرف خيرها وشرها، ويسعى لتطويرها وتهذيبها فالله عز وجل خلق الخلق وأرشده وهداه النجدين، فمن توجهت همته إلى العلا يناله الفوز والفلاح، ومن أخلد إلى الأرض واتبع هواه فسيلحقه بقدر دنو همته الذل والمهانة والتبعية، قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}[الشمس: 7-10].

نفس الإنسان محبة للشهوات، مؤثرة للراحة، طالبة للعلو والتميز، ولأن هواها في الراحة، فإنها تلح على صاحبها بعدم القيام بالطاعة لما فيها من مشقة، ومع ذلك فرمضان يقوينا على مجاهدتها وقهرها، فيمنعها عن الطعام والشراب والشهوة، ويرغمها على العبادة والطاعة، من صيام وقيام وتلاوة قرآن..

والعجيب أن مع هذه القوة والعزيمة نجد أناسًا لا يستطيعون أن ينفكوا من أسر العادات السيئة والمعاصي، ومنها التدخين مثلًا أو إطلاق البصر، أو مصاحبة البنات والشباب، أو الغيبة والكذب...

كن صادقًا وواجه نفسك ولو لمرة، قل لها: لقد ضللتِ طريق الهدى فقفي واسألي وتدبري أمرك وتأملي قبل ألا تمُهلي، أين أنتِ من أقوامٍ يتسابقون هذه الأيام على الخيرات؟

أما ترين الزهاد وقد ملؤوا الحرم والساحات، وهم في دعوات ودمعات، وأنت تلاحقين الشهوات؟

يا ثقيلة النوم، أما ينبهك القرآن؟ أما توقظك لذعة الجوع والحرمان؟ ألا تخافين؟ ألا تنزجرين؟

قل لها: يا نفس إما تبغين الخير وإما تبغين الشر.. فيَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ..
قف مع نفسك فقد جاء رمضان، وفتحت معه الجنان، وغلقت أبواب النيران، وصفدت الشياطين ومردة الجان، ولم يبقى إلا نفسك التي بين جنبيك، لكنها نفس أمارة بالسوء، فلا تجاملها حتى وإن كانت نفسك! بل أصدق معها وحاسبها، بل -والله- أدبها وعاتبها، فنفس تفوت كل هذه الفرص كَبِّر عليها أربعًا، فذهابها خير من بقائها.

وإننا نقدر بعون الله ومدده على الانفكاك من قيود المعاصي والذنوب، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}[العنكبوت: 69].
قال المناوي: "وإنما شُرع الصوم كسرًا لشهوات النفوس وقطعًا لأسباب الاسترقاق والتعبد للأشياء، فإنهم لو داموا أغراضهم لاستعبدتهم الأشياء، وقطعتهم عن الله، والصوم يقطع أسباب التعبد لغيره، ويورث الحرية من الرق، لأن المراد من الحرية أن يملك الأشياء ولا تملكه".

والحُر من خرق العادات منتهجًا *** نهج الصواب ولو ضد الجماعات
يقول نابليون بونابرت: لا توجد كلمة مستحيل إلا في قاموس الضعفاء.

وأجمل منه قول ابن القيم: "ولو توكل العبد على الله حق توكله في إزالة جبل عن مكانه وكان مأمورا بإزالته لأزاله".

فالإنسان ما خلَقه الله ضعيفًا إلا ليكون ضعفُه دافعًا له إلى باب الله، ليتَّصل به، ليلوذَ بحماه، ليقْبِل عليه، ليلجأ إليه، ليحتمي به، الضعف في الإنسان وسيلةٌ وليس هدفًا، وسيلةٌ لدفعه إلى باب الله، وسيلةٌ لإقباله على الله، لو أن الإنسان خُلِقَ قويًا لاستغنى بقوته عن الله، فشقي باستغنائه عن الله، خلقه ضعيفًا ليفتقر في ضعفه، وليُقْبِل على الله عزَّ وجل، فيسعد بافتقاره إليه



كلمات البحث

إستايلات ، ديزاينات ، دورات ، تعليمات ، طلبات ، تصاميم ، دعم فني ،استفسارات،رسيرفرات ،هاكات،


الفارس غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
في, القوة, الخفية, رمضان, سر


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Bookmark and Share


الساعة الآن 10:58 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
This Forum used Arshfny Mod by islam servant