المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (أصحاب حياء)


العطر
18-04-2021, 12:20 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

ما أجمل بناء الإيمان في تكامله، وما أروعه في شموله، يأخذ بناصية العبد من عباد الرحمن نحو شخصية تتمثل فيها شعب الإيمان من أعلاها إلى أدناها، لتكون هي الشخصية التي تقوم عليها الأمة في كل شؤونها، فلا ينتج عنها بعد ذلك إلا النجاح والتفوق والفلاح.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) متفق عليه.

قال الإمام النووي رحمه الله: ((قال العلماء: حقيقة الحياء خلقٌ يبعث على ترك القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق)) رياض الصالحين: 295.

فعباد الرحمن أصحاب حياء، حياءٌ من الله تعالى؛ فإن لله في أنفسهم قدر عظيم، كلما تذكروه امتلأت جوانحهم خشية منه، فامتنعوا عن معصيته حياءً منه، كيف لا؛ وهم يستشعرون نظره إليهم، وسماعَه لأصواتهم، وعلمَه بما يقولون ويفعلون، أسوتهم في ذلك حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ، فلقد (كان أشدَّ حياءً من العذراء في خِدرها) متفق عليه.

لقد عرف عباد الرحمن أن النفس أمسُّ ما تكون للحياء، فهو اللباس الجميل الذي يصونها بعد الله من الهبوط إلى الدنايا، أو ارتكابِ الحماقات، أو الجرأة على المعاصي والخطايا، فما أوجز كلامَ النبي صلى الله عليه وسلم وما أعظم نفعَه، فلقد قال عليه الصلاة والسلام: (الحياء لا يأتي إلا بخير) متفق عليه.

وتأمل كم هذا الخير، هل هو في الدنيا فقط، أو في الآخرة أيضًا؟ بل إنه خير في الأولى والأخرى، ولقد أحسن القائل حينما قال: ((القناعة دليل الشكر، والشكر دليل الزيادة، والزيادة دليل بقاء النعمة، والحياء دليل الخير كله)).

والحياء على رقته إلا أن له قوة عجيبة، تمنح الإنسان صلابة في دينه، ووقاية لمروءته، يقول النبي صلى الله عليه وسلم :(إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت) رواه البخاري.
هل أدركت معي كيف تألق عباد الرحمن برفيع خلقهم لأنهم أصحاب حياء؟ هل فقهت كيف تنزّه عباد الرحمن عن تفاهة المعصية؛ لأنهم أصحاب حياء؟ هل علمت لماذا انجلت عن صفحات أيامهم المهاترات والخلافات الساذجة؛ لأنهم أصحاب حياء؟!
حينما عدّت عائشة رضي الله عنها مكارم الأخلاق قالت إنها عشرة: (صدق الحديث، وصدق اللسان، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، والمكافأة بالصنيع، وبذل المعروف، وحفظ الذمام للجار، وحفظ الذمام للصاحب، وقرى الضيف، قالت في العاشرة: ورأسهن الحياء).

وإن مما يشدك إكبارًا وإجلالاً في أصحاب الحياء أنهم تكتنفهم الأخطاء كغيرهم، لكن الحياء الذي تخلقوا به زيّنهم وجمّلهم حتى أسدل على تقصيرهم ستار السِّتْر، فما ترى فيهم بعد الحياء إلا كلَّ جميل، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (من كسا بالحياء ثوبه، لم ير الناس عيبه)، وقال بعضهم: (الوجه المصون بالحياء كالجوهر المكنون في الوعاء).

ولم يكن الحياءُ لدى عبادِ الرحمن تصنعًا يتصنعون به أمام الناس، أو يتكلفونه أمام من يحبون، ثم يخلعونه إذا خلوا بأنفسهم، كلا؛ بل غدا الحياء لديهم سمتًا من سماتهم لا ينفك عنهم بحال، قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: (إني لأدخل البيت المظلمَ أغتسل فيه من الجنابة فأحني فيه صلبي حياء من ربي).

ومن المستغرب حقًا ـ عند بعضنا ـ أن تنقلب النظرة لديه إلى هذا الخلق من كونه من صفات الكمال إلى صفة النقص أو الامتهان، فيكون الحيي بين بعضنا متهمًا بالضعف أو قلة الرجولة، أما سمعنا حديثَ ابنِ عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (دعه؛ فإن الحياء من الإيمان) متفق عليه.

وماذا جرى حينما افتقدت جملة من الناس الحياء؟ لقد جرأت على معاصي الله تعالى، وتعدت حدوده، وانسلخت من المروءة، وراحت تلهث خلف سراب المعاصي، لا تبالي بربها، ولا تذكر شرعه، ولا تأبه لخلقه، ولا تقيم في نفسها احترامًا حتى لمن حولها ممن يرونها على الخطيئة والذنوب!!

وإذا خلوتَ بريبةٍ في ظلمةٍ --- والنفسُ داعيةٌ إلى العصيانِ
فاستحيي من نظرِ الإلهِ وقل لها --- إن الذي خلقَ الظلامَ يراني

قال ابن قيّم الجوزية رحمه الله: ((على حسب حياة القلب يكون فيه قوة خلق الحياء، وقلة الحياء من موت القلب والروح، فكلما كان القلب أحيى، كان الحياء أتم)).

وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: (خمس من علامات الشِقوة: القسوة في القلب، وجمود العين، وقلة الحياء، والرغبة في الدنيا، وطول الأمل).

وحياء عباد الرحمن حياءٌ محمود، يكسوهم الهيبةَ والوقار، ويحول دون وقوعهم في المعصية، ويكون لهم زادًا يتزودون به في تعاملهم مع الناس.

وليس من الحياء المطلوب في شيء ذلك الذي يحجز عباد الرحمن عن إسداء النصح لمن حوله، أو الارتقاء في مدارج العلم أو تنمية المواهب النافعة من خَطابة أو كتابة أو لقاء بأهل العلم والدراية، وليس من الحياء ما يمنع الإنسان عن السؤال في العلم بالأدب والخلق الرفيع، فقد قالت عائشة رضي الله عنها: (نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ؛ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ) رواه مسلم.

فهذه صفة من صفات عباد الرحمن، أرجو أن نتعلمها، وأن نتدرب عليها، ونربي أولادنا عليها، حتى ننال من أجرها، ونحصل على آثارها.

LMSA
25-11-2021, 12:18 AM
أثابك الله الأجر ..
وَ أسعد قلبك في الدنيا وَ الأخرة
دمت بحفظ الرحمن https://www.a-al7b.com/vb/images/smilies/241.gif.